مدونة The Vilbil
الفن الرقمي الأصلي: حيث تلتقي اللغة والثقافة والتكنولوجيا
على مرّ التاريخ، استغل الفنانون تقنيات عصرهم لتغيير طريقة إنتاج الفن وتلقيه.
سمح اختراع الطلاء الزيتي لأساتذة عصر النهضة بتحقيق عمق وواقعية غير مسبوقين؛ وتحدّت التصوير الفوتوغرافي المفاهيم التقليدية للتمثيل في العصر الحديث؛ وفتح فن الفيديو أبعادًا جديدة للزمن والحركة في القرن العشرين. واليوم، نحن أمام نقطة تحول جديدة: عصر الفن الرقمي الأصلي، وهو فن يوجد بالكامل في الفضاء الرقمي، ويُصمم ليُنشأ ويُشارك ويُختبر من خلال الأكواد والشاشات والشبكات، وليس كامتداد للوسائط المادية.
ما يميز الفن الرقمي الأصلي ليس فقط وسيلته، بل طريقته في التفكير. إنه يقدّر التفاعلية، والشكل غير المادي، والوصول العالمي. ومن أبرز الشخصيات في هذا المجال الفنان البريطاني روبرت ريتشاردسون، الذي تتنقل أعماله بسلاسة بين النص والصورة، وبين التقليد والابتكار.
روبرت ريتشاردسون: من الشعر إلى البكسل
بدأ ريتشاردسون مسيرته الفنية كشاعر، وشاعر بصري، وناشر مستقل، قبل أن ينتقل في التسعينيات إلى التركيبات الفنية المعتمدة على النص. وبحلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ركّز على التصوير الفوتوغرافي، وقدم عدة معارض فردية، منها في متحف علم الآثار الكلاسيكية بجامعة كامبريدج، وفي المتحف البلدي بمدينة فارو في البرتغال.
في عام 2014، عاد ريتشاردسون إلى فن النص من خلال أعمال رقمية نالت اعترافًا دوليًا، بما في ذلك معرض فردي في صالة عرض يوجين غومرينغر في ألمانيا. ومنذ ذلك الحين، تبنّى الوسائط الرقمية بالكامل، منتجًا أعمالًا تجريدية ورسومًا متحركة تُعرض كطبعات محدودة وكـ NFTs. ظهرت أعماله في مجموعات المتحف البريطاني، ومتحف فيكتوريا وألبرت، وحتى على الشاشات الساطعة في تايمز سكوير، نيويورك.
قدرة ريتشاردسون على إعادة تصور النص — الذي كان يومًا ما ثابتًا على الصفحة — كخبرة ديناميكية على الشاشة، تجسد التحول الرقمي الأصلي: فن لا يُوثق فقط عبر الإنترنت، بل يُخلق من خلال الفضاء الرقمي ولأجله.
لماذا يُعد الفن الرقمي الأصلي مهمًا؟
يسلط صعود الفن الرقمي الأصلي الضوء على عدة ديناميكيات ثقافية أوسع:
- الحفاظ على التراث وتحويله: تتيح الأدوات الرقمية للفنانين إعادة تفسير اللغة والأدب والأشكال الثقافية بطرق تحافظ عليها وتعيد ابتكارها لجمهور جديد.
- توسيع الوصول: الأعمال المعروضة على شاشات عالمية — من محطات المترو في ساو باولو إلى تايمز سكوير — تصل إلى جمهور لا تستطيع المعارض التقليدية الوصول إليه.
- نماذج جديدة للملكية: من خلال البلوك تشين وNFTs، يُعاد تعريف مفهوم "امتلاك" العمل الفني، حيث تنفصل القيمة عن المادية.
- التفاعلية كمعيار: على عكس اللوحات الثابتة، غالبًا ما تدعو الأعمال الرقمية الأصلية إلى الحركة والتفاعل والمشاركة، مما يجعل الجمهور مشاركًا في خلق المعنى.
هذا ليس اتجاهًا هامشيًا، بل تحول ثقافي نحو فن يعكس واقع العالم الرقمي أولًا.
The Vilbil وأفق الفن الرقمي الأصلي
بالنسبة للفنانين الرقميين الأصليين، غالبًا ما تكون المتاحف التقليدية غير مناسبة تمامًا. إذ تفقد أعمالهم شيئًا ما عندما تُختزل إلى مجرد توثيق أو محاكاة. ما يحتاجونه هو فضاءات تدعم تعقيد أعمالهم وحركتها وسهولة الوصول إليها.
وهنا يأتي دور مشاريع مثل The Vilbil. باعتباره مركزًا فنيًا رقميًا للفنانين، يوفر The Vilbil بيئة طبيعية للأعمال الرقمية الأصلية — مكانًا يمكن للزوار فيه التفاعل دون حواجز تقنية، ويمكن للفنانين التواصل مع جمهور عالمي بشروطهم الخاصة.
تُظهر رحلة روبرت ريتشاردسون كيف أن الممارسات الرقمية الأصلية بدأت بالفعل في تشكيل هذا المشهد. والتحدي — والفرصة — أمام المؤسسات الثقافية هو إنشاء منصات تكرّم هذه الأعمال في بيئتها الأصلية. فالمتحف الرقمي ليس مجرد حاوية جديدة؛ إنه مسرح ثقافي جديد.
وفي هذا الفضاء، لم يعد الفن الرقمي الأصلي استثناءً. بل أصبح الحدث الرئيسي.

